كل شيء كان بسبب نموذج مصري يحسب أن السنة مكونة من 365 يوماً و6 ساعات إذا تمكنت من اختراق حاجب الزمن بطريقة ما، وعدت إلى ماضي القارة الأوروبية في القرن السادس عشر، فستعاصر ما عاشه أكثر من 60 مليون إنسان، كانوا سكان 4 دول كاثوليكية ذلك الوقت، هي إيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال، ممن ناموا ليلة 4 أكتوبر 1582 واستيقظوا صباح اليوم التالي على مفاجأة.
وكانت المفاجأة من نوع يصعب تصديقه، فقد وجدوا أن الزمن السالك دائما إلى الأمام، تراجع 10 أيام دفعة واحدة، في قفزة مواقيت أيقظتهم في 15 بدل 5 أكتوبر، أي كمن عبر من الاثنين إلى الأحد، من دون أن يمر بما بينهما من أيام، لذلك لن تجد أحدا ولد في واحدة من تلك الدول الأربع، ولا مات فيها أو تزوج على الإطلاق، وستجد أن تلك الأيام العشر من تاريخها كانت ولم تكن في الوقت نفسه.
تلك القفزة الزمنية كانت فريدة من نوعها بتاريخ أوروبا ومعظم العالم، ففيها سعى قرار إداري إلى تصحيح خطأ تراكم طوال 1600عام، وأحدث تغييرا ثوريا، نتيجة لاعتماد "التقويم الغريغوري" الذي رو ج له بابا الفاتيكان، غريغوري الثالث عشر، لحل خطأ في "التقويم اليولياني" المعمول به قبله، والذي استمد اسمه ممن أدخله عام 45 قبل الميلاد الى أوروبا، وهو الشهير يوليوس قيصر، لأن بتقويمه المستند إلى نموذج مصري قديم، خطأ صغير، يحسب أن السنة الشمسية مكونة من 365 يوماً و6 ساعات، في حين أنها من 365 يوما و5 ساعات و48 دقيقة و45 ثانية.

ومع أن الفارق ضئيل، وهو 11 دقيقة و15 ثانية كل عام، إلا أن هذه الفجوة تراكمت طوال 16 قرنا من استخدام "التقويم اليولياني" وسببت حتى 1582 تأخيرا قدره 10 أيام في معيار الزمن، مقارنة بالتقويم الفلكي الصحيح، وهو الذي حدد العلماء فرقه بـ 10 دقائق و44 ثانية في السنة. مع ذلك، لم يتم اعتبار الخطأ مشكلة ملحة إلا بعد أن بدأ يؤثر على الاحتفال بأهم عيد مسيحي، وهو "الفصح" المصادف هذا العام الأحد المقبل، في 20 إبريل الجاري.
ليلة بعشرة
وقرر غريغوري الثالث عشر، أن يتدخل لإصلاح الخطأ، فقام بتعديل التقويم بطريقة تناسب الحسابات الفلكية والاحتياجات الدينية، بهدف التأكد من أن عيد الفصح، الواقع في أول يوم أحد بعد أول قمر مكتمل بالربيع، يتزامن مع الموسم المقابل. ولم يجد إلا حلا واحدا، هو استئصال 10 أيام من تقويمه، فأصبح 4 أكتوبر 1582 سابقا مباشرة ذلك الوقت فقط ليوم 15 منه، وعندها بدأ التقويم الغريغوري، أو الميلادي، معيارا لمواقيت دول أوروبا الكاثوليكية.
ولم يشمل التغيير معظم العالم، كما هو الآن، لأن الدول الرافضة الاعتراف بسلطة البابا، أي غير الكاثوليكية وفروعها، قاومته في البداية، فنشأ تباين مؤقت بينها استمر قرنين تقريبا، إلى أن قررت بريطانيا ومستعمراتها في 1752 اعتماده، وتبعتها روسيا الأرثوذكسية بعد ثورة أكتوبر 1917 الشيوعية، ثم اليونان بعد 5 سنوات، وعندها أثبت "الغريغوري" أنه أداة أكثر دقة، وأصبح المعيار بمعظم دول العالم، مع أن بعضها بقي يحتفظ بأنظمة تقويم خاصة للاستخدام المحلي والديني.

ما رو ج له غريغوري الثالث عشر بعد إزالة الأيام العشرة من تقويمه الجديد، لم يصحح خطأ فلكيا فقط، بحسب ما تجمع عليه دراسات بالعشرات تناولت موضوع التقويمات الروزنامية، بل أضاف ما يدعو دائما إلى التذكير بأن القرارات الإدارية الصحيحة تحل الكثير من العقبات من دون إثارة المشاكل، ومنها القرار الذي جعل ليلة تحل مكان 10 أيام بشحطة قلم.
تعليقات الزوار | اضف تعليق
