السياحة الداخلية في الإمارات فرصة فريدة؛ لاكتشاف الجذور الثقافية العميقة، التي ترسخت عبر التاريخ، وتُبرز البيوت التراثية نمط الحياة القديم، وعادات الإماراتيين الأصيلة. في السطور التالية، نأخذكم في رحلة عبر أربعة بيوت تراثية متميزة، تفتح أبوابها لتروي قصصاً من الماضي الأصيل، هي: "بيت القهوة"، الذي يعكس كرم الضيافة العربية العريقة، و"بيت الحرفيين" في أبوظبي، وننتقل إلى "بيت التراث" في دبي، ومن ثم إلى "بيت النابودة" في الشارقة؛ لنكتشف حياة قادة البحر، وتفاصيل رحلات الغوص بحثاً عن اللؤلؤ. كذلك، في هذه الزيارة، سنعيش تجربة غنية، نطلع خلالها على تقاليد وعادات لا تزال حاضرة في وجدان الشعب الإماراتي، مجسدة قيمة التراث في حياته اليومية.
1. "بيت القهوة".. رمز الضيافة:
تعتبر القهوة العربية من أهم المشروبات التقليدية في دولة الإمارات، ورمزاً للضيافة والكرم والتواصل الاجتماعي. وتحتل القهوة العربية مكانة خاصة في المجتمع الإماراتي، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتراث الثقافي الإماراتي، فهي جزء لا يتجزأ من هويته الثقافية. وللراغبين في معرفة العادات والتقاليد المرتبطة بالقهوة العربية، أو تعلم كيفية إعدادها، فإن "بيت القهوة"، الواقع في "قصر الحصن" بالعاصمة الإماراتية أبوظبي، وجهة مثالية لفعل ذلك.
يأخذ "بيت القهوة" محبي التراث والتقاليد إلى زمن الأجداد، لعيش تجربة إعــــداد القهــوة العــربية بالطـــريقة التقليدية، والاطلاع على مراحلها، وأدواتها. ففي هذا المكان، تفوح رائحة حبوب البن المحمسة في "التاوة"، ويتم تقليبها بـ"المحماس"، ثم دقها بأداة خشبية اسمها "الرشاد"؛ لتصبح ناعمة، بعد ذلك يتم غليها مع الماء، و"القناد"، وهي منكهات من: الزعفران، والهيل، وجوزة الطيب، ثم تتم تصفيتها بالليف المصنوع من لحاء النخيل، وسكبها في فناجين صغيرة. وكل أداة تستخدم في إعداد القهوة العربية، تحمل - في طياتها - قصة وحكاية. و"بيت القهوة" في أبوظبي مثال حي على اهتمام دولة الإمارات بالحفاظ على تراثها الثقافي، وإبراز مكانة القهوة العربية رمزاً للهوية الوطنية.
2. "بيت الحرفيين".. حاضن التراث:
في "قصر الحصن" بأبوظبي، أيضاً، يقع "بيت الحرفيين"، الحاضن الأمين للتقاليد والعادات الإماراتية، حيث يمكن الاطلاع على الترابط العميق بين الإنسان الإماراتي، وبيئته. ففي هذا المكان، يكتشف الزائر كيف حو ل أبناء الإمارات المواد الطبيعية، المتوفرة في جبالهم وبحارهم، إلى تحف فنية تعكس إبداعاتهم، ومهاراتهم. ففي كل غرزة من السدو، وكل ضفيرة من الخوص، وكل تطريزة من التلي، وكل عقدة من شِبَاك الصيد.. هناك قصة تُحكى عن الهوية الإماراتية.
وتحكي الحرف اليدوية، التي يقدمها "بيت الحرفيين" في أجواء تستعيد زمن الأجداد، قصة إبداع لا حدود لها. فالسدو حو ل صوف الأغنام، ووبر الجمال، إلى سجاد وخيام زينت بيوتهم. ومن سعف النخيل، نسجت سلال، وآنية حملت بين طياتها حكاياتهم. أما التلي، فكان بمثابة لوحة فنية، تتزين بها الثياب، وتحكي قصصًا عن الأناقة، وجمال التراث التقليدي. وفي أعماق البحار، ولدت حرفة صناعة القوارب وشِبَاك الصيد؛ لتكون شاهدة على شجاعة البحارة الإماراتيين، وكفاحهم من أجل العيش. باختصار، "بيت الحرفيين" ليس مجرد مكان لعرض الحرف اليدوية، بل هو متحف حي، يروي قصص التراث، للحفاظ عليه، ونقله إلى الأجيال القادمة، وإبراز أهمية الحرف اليدوية في الحفاظ على الهوية الوطنية.
3. "بيت التراث".. تصميم يعكس التاريخ:
هل تريد الاستمتاع بالعمارة التقليدية، والاطلاع على تصاميم البيوت الإماراتية القديمة، وزخارفها، وتقاليد المجتمع؟.. إذا كانت إجابتك (نعم)، فإن "بيت التراث" في دبي مكانك المثالي. يقع "بيت التراث" في واحد من أقدم مواقع دبي الحضرية، وقد تأسس عام 1890، على يد مطر بن سعيد بن مزينة. وكان - في البداية - حجرتين صغيرتين، تحيط بهما ساحة واسعة. ومع مرور الزمن، شهد "البيت" عدداً من التوسعات على يد ملاك عديدين، حتى وصل إلى شكله الحالي، الذي يعكس نمط الحياة التقليدية في الإمارات.
لكن، ما الذي يميز هذا البيت؟.. بمجرد دخولك، ستشعر بمدى إتقان المصمم المعماري المحلي بناء هذا البيت؛ ليتناسب مع احتياجات سكانه، وعاداتهم الاجتماعية، فضلاً عن تناسبه مع البيئة الصحراوية، كما ستكتشف كيفية توفير الفناء الواسع تهوية طبيعية للبيت، وأن الجدران المبنية من الطين، أو الحجر، توفر عزلاً حرارياً، وأن النوافذ الصغيرة، التي تحويها الغرف، تسمح بدخول الضوء والهواء مع الحفاظ على الخصوصية.
ليس هذا فحسب، بل ستشاهد، أيضاً، ما يحويه من أدوات القهوة، وآنية المطبخ التقليدية، وأسلحة الصيد، والأثاث، وحتى الألعاب التراثية. وستجلس في المجلس الرئيسي، الذي يستقبل فيه الرجالُ الضيوفَ، والذي زُين بالسجاد الفارسي، والوسائد المزخرفة، عاكساً روح الضيافة والكرم، ومحافظاً على حرمة وخصوصية نساء المنزل. ولعل أجمل ما في هذا "البيت" هو غرفة العروس، التي يتم تجهيزها بأبهى حلة لاستقبالها، ويوجد فيها "صندوق الزهبة"، الذي يحوي كل ما تحتاج إليه العروس من ملابس، ومجوهرات، ودخون، وعطور.
4. "بيت النابودة".. نافذة على حياة تاجر اللؤلؤ:
تخيل أنك تسير في أزقة الشارقة القديمة، حيث يعانقك عبق التاريخ، وتستقبلك رائحة التراث العريق. وأمامك يقف "بيت النابودة"، تحفةً معماريةً تجمع بين البساطة والفخامة في قلب المدينة، وحوله سوق العرصة، ومتحف مدرسة الإصلاح. وفور دخولك من بوابته الخشبية الضخمة، تنقلك تفاصيل "البيت" إلى زمن مضى، حيث كان هذا المكان موطنًا لأحد أشهر تجار اللؤلؤ في الإمارات.
وسيعود بك الزمن إلى عام 1845، حينما تم بناء هذا "البيت"، الذي كان - آنذاك - مقرًا لعائلة عبيد بن عيسى بن علي الشامسي، الملقب بـ"النابودة"، والذي أسس إمبراطورية تجارية، امتدت من الخليج إلى الهند وأوروبا. ويمكنك أن تتخيل "النابودة"، في مجلسه الفسيح، محاطًا بتفاصيل معمارية دقيقة، منها: الأعمدة الرومانية، والأبواب، والنوافذ الخشبية بزخارفها التقليدية، وجدران الحجر المرجاني، ويدير أعماله في تجارة اللؤلؤ مع التجار المحليين والدوليين.
وبينما تتجول في غُرَفه، ستلاحظ نظام "الملاقف الهوائية"، الذي كان يستخدم لتبريد البيت، وستشعر بالنسيم اللطيف يلامس وجهك، تماماً كما كانت الحال في ذلك الزمن. وفي الطابق الأرضي، ستدخل إلى المجلس التقليدي، وستتجول في الغرف المجاورة؛ لتكتشف تفاصيل حياة أسرة تاجرت في اللؤلؤ، وستستعرض المقتنيات الثمينة، من عملات معدنية من الهند والخليج، إلى أدوات دقيقة لقياس وزن وحجم اللآلئ.
وأثناء صعودك إلى الطابق العلوي، ستكتشف غرف النوم الصيفية، المصممة خصيصاً لتكون ملاذاً هادئاً خلال أيام الصيف الحارقة. ولا تنتهي التجربة هنا، في أرجاء "بيت النابودة"، فقد تم تجهيز شاشات عرض تفاعلية، تقدم معلومات قيمة عن تجارة اللؤلؤ، التي جعلت الشارقة مركزاً تجارياً مهماً. وفي غرفة خاصة، ستجلس لتشاهد فيلماً قصيراً، يروي لك قصة هذا "البيت"، وتجار اللؤلؤ الذين شكلوا ملامح الاقتصاد في الخليج.
تعليقات الزوار | اضف تعليق