بدلة مخملية حمراء اللون بحواف مزينة بالفرو الأبيض، وحذاء أسود طويل، وقبعة مزينة بكرة صوفية.. قد يتباين زي بابا نويل "سانتا كلوز" من منطقة لأخرى، لكن إطلالته الأيقونية ما برحت متأص لة في الثقافة الشعبية والخيال الشعبي. إلا أن شخصية بابا نويل الخيالية لم ترتدِ دومًا اللون الأحمر، في الواقع، استغرق التوص ل إلى شكل ملابسه، ومظهره، وحتى طوله حوالي قرن من الزمن إلى أن تشك لت الشخصية الأيقونية التي نعرفها اليوم.
وبين أسلافه الأسقف المسيحي القديس نيكولاس، ونظيره الهولندي سينتر كلاس (Sinterklaas)، وغيرهما. لكن بابا نويل الأمريكي بدأ في التبلور لأول مرة في عشرينيات القرن التاسع عشر، واستمر بالتطور من خلال الش ِعر، والرسوم التوضيحية، والإعلانات.
وأصبحت السمات الرئيسية لبابا نويل هي: رجلٍ ملتحٍ يرتدي الفراء، يجره الرنة بمزلجة. وبات ذلك بمثابة قاعدة عامة بفضل قصيدة كليمنت كلارك مور بعنوان "زيارة من القديس نيكولاس" في عام 1823، بالإضافة إلى قصيدة مجهولة المصدر أقل شهرة سبقتها في عام 1821 كانت قد أطلقت على الشخصية اسم "سانتيكلوس" (Santeclaus).
لكن كان كل عنصر آخر يرتديه قابلاً للتفسير. وقال المؤرخ جيري بولر، ومؤلف "سانتا كلوز: سيرة ذاتية" (Santa Claus: A Biography)، في مقابلة هاتفية: "كان القرن التاسع عشر فترة كانت فيها النقاشات حول شكل بابا نويل وما يرتديه بارزة للغاية". وشرح بولر: "استغرق الأمر حوالي 80 عامًا حتى استقر الفنانون الأمريكيون على (شكل) ملابس سانتا".
إطلالات بابا نويل المتنوعة
وتُظهِر بعض التفسيرات المبكرة لرؤية مور بابا نويل كبائع سلع متجول مخادع صغير يمكنه الدخول في مدخنة أقرب إلى الواقع. وتُظهِر نسخة مرسومة من القصيدة تعود للعام 1864، القديس نيكولاس الذي يرتدي ملابس الأسقف عادةً، ببدلة صفراء وقبعة من الفرو.
ولعب رسام الكاريكاتير في مجلة "هاربر ويكلي"، توماس ناست، الذي ابتكر رمز الحمار للديمقراطيين والفيل للجمهوريين، دورًا مهمًا في تصور بابا نويل. ورسمه ناست لأول مرة في عام 1863، أثناء الحرب الأهلية، مزينًا بالنجوم والأشرطة أثناء توزيعه الهدايا على جنود جيش الاتحاد. لكن تُظهر الرسمة الأكثر شهرة للفنان التي تعود للعام 1881، بابا نويل مرتديًا بدلة حمراء.
وغالبًا ما تطغى حملات العطلات الطويلة لشركة "كوكا كولا"، التي رسمها هادون سوندبلوم، على الرسومات التكوينية للفنانين السابقين. وانطلقت الحملات في عام 1931 وأصبحت مرادفة لإطلالة بابا نويل. وأصبحت نسخة سوندبلوم لبابا نويل ذو الخدود الحمراء شائعة للغاية. وقال بولر: "أعتقد أن معظم الناس (يعتقدون) أن لكوكا كولا علاقة بتأسيس زي بابا نويل الأحمر والأبيض.. لكن هذا ليس صحيحًا، فتم (تحديد) زي بابا نويل الشهير قبل عقود من الزمان".
استحضار الحنين إلى الماضي
ربما لم يختر من تخيلوا بابا نويل بداية بدلته الحمراء، لكنهم أرادوا أن تبعث الشخصية شعورًا بالحنين إلى الماضي، وفقًا للمؤرخ والمؤلف ستيفن نيسينباوم. وفي كتابه الرائد عام 1988 "معركة عيد الميلاد" (The Battle for Christmas)، رَسَم نيسينباوم تاريخ شخصيته وتحدى أصولها المزعومة المتكررة كثيرًا التي تعتبرها مستوحاة من القديس نيكولاس الهولندي، سينتركلاس (Sinterklaas).
لكن نيسنباوم أشار إلى مجموعة من "رجال نيويورك ذوي العقلية العتيقة"، وينتمي إليهم مور، الذين أعادوا صياغة شخصية الهولندي عمدًا في عشرينيات القرن التاسع عشر باعتبارها رمزًا لعطلة أكثر ملاءمة للأسرة وسط ارتفاع معدلات الفقر والجريمة. وفي الواقع الأمر، بحسب نيسنباوم، كانت الاحتفالات التقليدية التي سبقت عيد الميلاد في نيو إنغلاند عبارة عن احتفالات استمرت شهرًا كاملاً غمرتها حالات الس َكَر والفوضى خلال القرنين السابع عشر ومطلع القرن الثامن عشر.
وكانت الاحتفالات عبارة عن "صمام أمان" للفقراء "لتنفيس الغضب" عوض ظهور الاضطرابات الاجتماعية. وكانت هناك عادة شعبية سمحت للأشخاص بدخول منازل الأثرياء على أمل أن يُمنحوا أفضل الطعام والشراب كدليل على حسن النية. وأوضح أن ه بحلول زمن مور، لم يكن الاحتفال بعيد الميلاد يتم بطريقة موحدة، فحاول المتشددون قمعه، في حين عمل الإنجيليون على تحويله إلى مناسبة دينية بحتة في الخامس والعشرين من ديسمبر/كانون الأول.
ويرى بولر أن العديد من السمات التي استحوذت على خيال الأشخاص كانت خيارات عملية، فبمجرد التوافق على أن يكون بابا نويل من القطب الشمالي، كان ذلك يعني أن ه يرتدي الفراء، ومن ثم وقع الاختيار على اللون الأحمر لكونه حيويًا ويتناقض مع لحيته البيضاء والثلج الأبيض. والأصول الدقيقة لإطلالة بابا نويل غامضة بلا شك نظرًا لوجود العديد من الشخصيات الشبيهة به في أجزاء مختلفة من العالم، وقد اندمجت بعضها ببساطة لتشكل هذه الصورة الغربية الفريدة.
تعليقات الزوار | اضف تعليق