قد تشكل الإختلافات الحضارية للإنسان تحدياً كبيراً عندما يلتقي ارضا جديدة أو لغة غير مفهومة، وفي كثير من الأحيان سوء الفهم قد تكون له عواقب وخيمة فيما بعد، وقد تشكل صدمة كبيرة عندما تصطدم بعقليات وسلوك غريب من اناس لا يفهمون طبيعة تفكيرك ولا اسلوبك في الحياة، وهي مشكلة أغلب المغتربين ان لم يكن جميعهم يواجهونها.
الإختلافات الحضارية
تحدي كبير للإنسان
مهمة التعود على البيئه الجديده تكون شاقة ويزيدها تعقيداً أساليب العمل وأخلاقياته الجديدة والتي قد تتضارب الى حد كبير مع الأساليب والأخلاقيات التي تعو َد عليها المغترب في بلده. وهنا تبدأ مرحلة اخرى من التأقلم على الوضع الجديد بإستخدام المهارات والخبرات الفردية والأجتماعية التي اكتسبها الفرد نتيجة التعليم أو نتيجة مواكبة الحياة والتطور الثقافي بحيث يكون هناك تواصل مستمر مع الثقافات المختلفة الأخرى، وهذا يشك ل في حد ذاته تجربة تعليميه قي ِمة بشكل لا يصد َق.
ولكن عملية البقاء في بلد أجنبي لفترة طويلة (تفوق الفترة التي يستغرقها الفرد كسائح في نفس الدولة) عادةً ما تكون تجربة رائعة وغني ة ومليئة بكل جديد. إضافةً الى انها قد تكون سبباً مباشراً للتوتر والقلق الذي يصاحب المواقف الصعبة التي يواجهها الفرد (لوحده أو مع عائلته)، والتي تختلف طرق التعامل معها عم ا تعو َد عليه في بلده. وهنا تبرز للعيان ظاهرة شائعة جداً بين المغتربين وهي ظاهرة "الصدمة الثقافية او الحضارية" والتي تتألف من ثلاث مراحل هي:
ـ مرحلة السياحة: ويكون الفرد فيها قد وصل لتو ِه للبلد، وكل شيء بالنسبة له جديد ومثير.
ـ مرحلة الصدمة: وهي رد الفعل الطبيعي الذي يحصل عند المغترب بعد وصوله "للقمة الأولى" من الخط البياني المفترض، وهنا لا تعود ألأشياء مختلفة ولا جديدة ومثيرة بعد الآن، فتبدأ مرحلة ألإحباط بسبب الأمور التي لم يتعو َد عليها المغترب، ويبدأ مرحلة المقارنة بين كل ما هو مختلف عم ا تعو َد عليه في بلده ألأم، من إختلاف في السلوك والتفكير، وإختلاف العادات والتقاليد والأعراف ألإجتماعية (وعند البعض إختلاف الدين أيضاً). وهنا تبدأ مرحلة الشعور بالغربة والحنين الى الوطن، وبالتحديد الحنين الى كل ما هو مألوف وواضح.
ـ مرحلة التأقلم: وهي إعادة التأهيل النفسي والجسدي والأجتماعي للمرحلة الجديدة ومحاولة قبول الإختلافات الثقافية بسعة صدر، بدلاً من توجيه النقد أللاذع لكل ما هو مختلف، ومحاولة فهم كيفية التنقل في المجتمع الجديد بحكمة وروية، ومحاولة معرفة الشفرة الخاصة بالمجتمع الجديد (لكل مجتمع شفرة خاصة تحد ِد معالمه)، على ان لا يكون هذا التأقلم على حساب القيم والأخلاق التي جبل عليها المغترب.
وهناك الكثير من الأعراض التي تعطي إشارة واضحة لحصول الصدمة عند المغترب، كالشعور بالإكتئاب والوحدة والعجز، وشعوره بأنه غير نافع وغير مجدي للمجتمع، إضافة الى العدائية السافرة او المكبوتة والشعور بالإغتراب الداخلي، وهذا كله يعز ز الشعور بالحنين الى الوطن، ويول ِد على المدى البعيد مشاعر مُعادية للمجتمع الجديد، فتبدأ في هذه المرحلة الحرجة الرغبة بالوحدة والإنعزال والتي تؤدي بدورها الى سرعة ألإنفعال والذي يتمخض عنه مشاكل تكاد تكون يومية والتي تؤدي الى إستنزاف الطاقة ألإيجابية للمغترب والتي تصل الى مرحلة ألإنفصال عن المجتمع وكل ما يترتب عن هذا الإنفصال من عواقب سلبيه.
والحل ـ في رأيي ـ يكمن في محاولة تفعيل طاقاتك بالإتجاه ألإيجابي الذي يقضي بالتعر ُف على أصدقاء جدد (من أبناء جلدتك أو من الناطقين بلغتك) في البلد الذي انت مغترب فيه، لأن هذا يساعدك الى حد كبير في مشاطرتهم ليس الهموم فقط ، ولكن ايضاً الحلول التي من شأنها ان ترفع من معنوياتك، وقد يكون هناك من هو اقدم منك في هذا البلد، فتكون في جعبته الكثير من النصائح والتوصيات التي تخدمك في الغربة، وما خاب من استشار، لأن هذا يساعدك في محاولة فك رموز المجتمع لكي لا تصطدم بما هو غريب عنك، ولكي تتعرف على عادات وتقاليد البلد لكي تكون لديك رؤيه واضحة وسليمة لتقب ُل ما هو جديد عليك، وما يمكن أن يضيف لك أنت كإنسان.
ثم أخيراً وليس آخراً، ألعمل ثم العمل ثم العمل، فهو خير دواء للغربه إضافةً الى كونه من أرقى ألعبادات.
ملاحظة: الصور للتوضيح فقط.