لعل رواية الجريمة والغموض بعنوان Cain’s Jawbone وبقلم المؤلف (إدوارد باوي ماثرز) هي واحدة من بين أكثر الأحاجي الأدبية إثارة وغموضًا، حيث تتميز هذه الرواية الغامضة بكون صفحاتها عشوائية وغير مرتبة على الإطلاق، وحتى تصل إلى حل لغز الجريمة فيها يتعين عليك [أنت القارئ] أن تعيد ترتيبها، وهو الأمر الذي لن تتمكن من تحقيقه إلا بعد قرائتها لمئات المرات مع الانتباه لأدق التفاصيل، وهو كذلك أمر لعلك لن تنجح فيه على الإطلاق نظرًا لصعوبتها الكبيرة.
كانت رواية Cain’s Jawbone من بنات أفكار أول من اخترع الكلمات المتقاطعة المشفرة والمحرر آنذاك لدى مجلة The Observer وهو (إدوارد باوي ماذرز)، الذي كان يعرف آنذاك بلقب Torquemada. وتم نشر الرواية أول مرة سنة 1934، وهي رواية تدعو القارئ لإعادة ترتيب صفحات الكتاب المائة، وهي المهمة التي تتضمن على 32 مليون توليفة محتملة، وبترتيب الصفحات بالطريقة الصحيحة يتم حل لغز الجريمة التي تتناولها القصة.
كتب مؤلف الرواية (باوي ماذرز) آنذاك: "طُبعت صفحات الرواية بطريقة عشوائية وخاطئة كليًا"، واستطرد: "يؤكد المؤلف لمعشر قرائه أنه بما أن الأوان قد فات الآن على الحصول على نسخة مرتبة من الرواية، فمن المحتمل جدا بالنسبة لهم، إذا كانوا يملكون الرغبة الكافية، أن يعيدوا ترتيبها بطريقة صحيحة بأنفسهم".
لم يتمكن سوى اثنان من القراء من حل أحجية رواية Cain’s Jawbone في الثلاثينيات الماضية، وهما السيد (سيدني تورنر) والسيد (دبليو إس كينيدي)، واللذان ربح كلاهما جائزة قدرها 25 جنيها استرلينيًا. ثم شاع الاعتقاد بأن حل هذه الأحجية واللغز قد ضاع إلى الأبد، غير أنه قبل ثلاثة سنوات من اليوم، تم إرسال نسخة من رواية Cain’s Jawbone إلى المتحف الأدبي (لاورنس ستيرن)، فانطلق القي م عليه (باتريك ويلدغست) في مهمة لحل هذه الأحجية.
بمجرد أن تمكن من النجاح في ذلك، أُعيد إصدار الغموض مرة أخرى في الخريف الفارط على يد دار النشر البريطانية Unbound، مع كون الناشر قد عرض جائزة قدرها 1000 جنيه إسترليني على كل شخص يتمكن من حلها في غضون سنة من الزمن، كما أعقب منشور الجائزة بتحذير مفاده أن هذه المسابقة ليست "لذوي القلوب الضعيفة"، وأن اللغز كان صعبًا بصورة لا تصدق.
كان المؤلف الكوميدي البريطاني (جون فينمور) واحدًا من بين 12 مشاركًا في هذه المسابقة الجريئة، والوحيد الذي تمكن من الوصول إلى الحل الصحيح لل غز. قال عن رواية Cain’s Jawbone أنها كانت: "لحد الآن أصعب أحجية ولغز أحاول حل ه في حياتي"، وأضاف: "في المرة الأولى التي فتحت فيها علبة الرواية، استنتجت على الفور أنها كانت خارج مجال قدراتي، وأن الطريقة الوحيدة التي تكون لي فيها فرصة الوصول إلى حل ها هي إذا ما وجدت نفسي لسبب غريب ما محتجزا في منزلي لأشهر متواصلة، بدون أي وجهة أقصدها وبدون أي شيء أفعله أو أي شخص ألتقيه. لسوء الحظ، سمع الكون ما قلته واستجاب [في إشارة منه إلى الحجر المنزلي الذي فرضته الجائحة]".
قال (فينمور) كذلك: "استغرقني الأمر حوالي أربعة أشهر -ليس بدون انقطاع- نثرت صفحات الرواية على سرير إضافي في المنزل، وكنت غالبا ما أمعن النظر فيها وأتفحصها حتى يدمي جبيني، قضيت ساعة على الإنترنت أجري الأبحاث حول سجن Shrewsbury، فكنت أبدل ترتيب ثلاث صفحات، ثم أرجع واحدة إلى الخلف ثم أحد ق فيها مجددا. مازال يحيرني واقع أن أحدهم تمكن في الثلاثينيات من القرن الماضي من حل شيفرة هذا اللغز بدون اللجوء إلى الإنترنت".
أك د (ويلدغست) أن الحل الذي قدمه الروائي الكوميدي (فينمور) كان صحيحًا ولا تشوبه شائبة. وقد حاول (ويلدغست) نفسه حل رواية ولغز Cain’s Jawbone أولا من خلال إعادة كتابتها من أول صفحة إلى آخرها، وكان يدون ملاحظات عن كل مرجع أدبي يصادفه. غير أن هذا الأمر لم يفلح معه، ثم بحث في المكتبات عن نسخ من الرواية التي ربما يكون من قرأها قد ترك فيها ملاحظات أو تلميحات عن حلول محتملة لها، لكن بدون جدوى كذلك، غير أنه تمكن في نهاية المطاف من الوصول إلى الحل.
يقول (ويلدغست): "كانت مطاردة الحل الصحيح لرواية Cain’s Jawbone مغامرة محفوفة بالمخاطر، كما كانت مليئة بالهفوات والأخطار غير المتوقعة"، واستطرد بالقول: "لا يمكنني قول المزيد حول الموضوع، غير أنني في نهاية المطاف شعرت بالرضا لأننا صرنا نحوز على الحل الصحيح. آمل أن يتمكن عشاق هذا النوع من الأحاجي الاستمتاع بلعبة يلمؤها الاضطراب والفوضى والتوريات والغموض". اتفق كل من (فينمور) و(ويلدغست) على الإبقاء على الحل الصحيح "سرًا محفوظًا، حتى تتمكن الأجيال القادمة من الاستمتاع بمحاولة حل الأحجية". سينشر متحف (لاورنس ستيرن) الأدبي أي حلول صحيحة يتم تقديمها في المستقبل من قبل القر اء.
تعليقات الزوار | اضف تعليق