قال أمير الشعراء احمد شوقي "قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم ان يكون رسولا". فمهنة التعليم هي مهنة سامية جدا والمفروض على من يعمل بها ان يحمل رسالتها بصدق وامانة. لكن الواقع اليوم يدل على ان بعض من يمارسون هذه المهنة من معلمين ومعلمات لا يملكون الكفاءة ولا الضمير المهني ليعملوا بها. اذ يبدو أنه مع سرعة إيقاع الحياة، ومع هيمنة الماديات عليها، ونتيجة لتغييرات اجتماعية وثقافية، تخلت للأسف بعض المعلمات عن رسالتهن، فإحداهن تلجأ لتحطيم الأخريات كي تصعد هي، والأخرى متشبعة بالعنصرية في تعاملاتها مع زميلاتها وطالباتها، أما الثالثة فقد انزلقت إلى هاوية الفكر المتعصب المتشدد..
قيمة المعلمة
سبق تلقي الضوء على بعض من هذه النماذج السلبية، والتقت اولا مع أم سيف إحدى المشرفات في الإدارة التعليمية، التي كشفت ممارسات وتصرفات تصدر من بعض المعلمات، متحدثة عن محاباة المديرة لبعض المعلمات عن الأخرى. وقالت: أصبحت ملابس المعلمات غير مناسبة وشفافة، ما يلفت انتباه الطالبات بشكلٍ واضح حتى صارت المعلمة ك "المانيكان" لافتة إلى الاهتمام المبالغ فيه بالجوالات حتى داخل الفصول على الرغم من أن استخدام الجوالات ممنوع داخل اليوم الدراسي.
وأشارت إلى بعض التصرفات غير اللائقة كإهانة الطالبات بشكلٍ متعمد دون سبب لذلك، وهناك من تتقرب لطالبة لمصالح ما قد تريدها من أسرتها، متناسين قيمة التدريس والمعلمات، . وطالبت أم سيف بإسقاط الدرجة المستحقة للمعلمة التي يثبت عليها سوء الخلق والسلوك، حتى لا يصبح الهدف من العملية التعليمية هو الحصول على الراتب فقط.
عنصرية البعض
تحدثت إحدى المعلمات من نوعية عربية " قائلة: عملت في إحدى المدارس الخاصة، ومنذ اليوم الأولى لتعييني لاحظت أن هناك معلمة سلوكها عنصري تجاهي، تتعمد إيذاء مشاعري أمام باقي المعلمات، وعندما تبدأ حصتي في أحد الصفوف الدراسية، ألاحظ أن الطالبات يتعمدن إثارة الفوضى والشغب داخل الفصل.
وتابعت: أكثر من مرة يحدث هذا، ونظرات الطالبات ترمقني وتسخر مني، وفي إحدى المرات عندما دخلت المديرة الفصل ولاحظت هذه الفوضى حذرتني من توجيه لفت نظر لي، معربة عن دهشتها بعلمها أن هذه المعلمة هي التي تحرض الطالبات ضدها، وقالت: لم احتمل هذا وشعرت بأن هناك مؤامرة ضدي في هذه المدرسة، وحفاظاً على كرامتي تقدمت لمديرة المدرسة باستقالتي، على الرغم من احتياجي للراتب لمساعدة زوجي في مقتبل حياتنا الزوجية.
سلوكيات خاطئة
"الموضوع قديم جديد".. بهذه الكلمات بدأت الأكاديمية، والكاتبة دكتورة ميسون الدخيل حديثها قائلة: هناك معلمات عقولهن جاهلة، يحطمن نفسية الطالبات، ويتجاهلن مواهبهن، ولديهن خطأ في الهرم القيمي، ويمارسن سلوكيات يعلمن أنها خاطئة ويعلمنها للطالبات، لافتة إلى أنهن لديهن قصور في الشخصية، ويحاولن إثبات أنفسهن بتحطيم الأخريات.
وتابعت: هناك معلمات قدوة حسنة للطالبات فهن يشجعهن ويحتضن مواهبهن، ويعملن على تنمية شخصيتهن، ورأت بحسب قولها أن هذه السلوكيات الدخيلة على البيئة التربوية " كالتشدد والعنصرية " نتاج لضعف الإدارة، والقيادة المدرسية. وقالت: عندما تستمع المديرة لنميمة المعلمات، أو تنتصر لمعلمة على حساب الأخرى، فسوف يحدث خلل إداري في المدرسة، مطالبة المديرات بالقيادة العادلة والحزم، والعمل بمبدأ الثواب لمن أصاب والعقاب لمن أخطأ.
واعتبرت أن ما وصلت إليه المعلمة نتيجة تراكمات اجتماعية وأخلاقية، رافضة بشدة أن يكون النقل الإداري للمعلمة عقاباً لها إذا أخطأت، وقالت: هذا أخطر عقاب تواجهه معلمة، لأن شخصيتها ستظل كما هي، وهذا لن يحل المشكلة، بل ستشعر بالظلم وتنتقم أكثر من المجتمع. ولفتت إلى ويجب تقويمها لتؤدي رسالتها في المجتمع؛ لأن مهمتنا الكبرى التكاتف لتوحيد الجهود من أجل مصلحة المؤسسة التعليمية.
رخصة ممارسة المهنة
ولفتت المستشارة النفسية بمستشفى المشفى بجدة دكتورة مها حريري إلى أنه إذا كانت الفتاة مجبرة على مهنة التعليم لظروف اجتماعية أو اقتصادية،فهي لا شعورياً تُسقط ضغوطها النفسية على الطالبات، بالعنف اللفظي أو تصيد أخطائهن، وإحباطهن، وتكليفهن بمهام تعليمية فوق طاقتهن النفسية "كأسئلة صعبة أو خارج المنهج".
وأضافت: إذا كانت البيئة تمثل ضغطاً وعنفاً على المعلمة، فسوف تستخدم السلوك نفسه مع طالباتها، وقالت: إذا كان المجتمع الذكوري من أب وأخ وزوج يتعامل مع المعلمة بعنف، فسوف تسقط عنفها على البيئة المدرسية من طالبات ومعلمات وإداريات.كما أوصت بإخضاع المعلمة قبل عملها بالحقل التعليمي؛ لاختبارات الميول المهنية "التي توضح نجاحها في مهنة التدريس، واختبارات الشخصية" التي توضح مدى سلامتها النفسية أو معاناتها من اضطرابات نفسية.
الجدية والإخلاص
من جانب آخر أك د الأكاديمي المتخصص في التربية والكاتب في صحيفة المدينة عبدالله الجميلي، أن الماضي يشهد أن المعلمات في العموم يتفوقن على المعلمين من حيث الجد ية والإخلاص في العمل والحرص على الإنفاق على الوسائل التعليمية، وعلى تطوير القدرات بالدورات التدريبية الحكومية منها والخاصة؛ وبالتالي كان هناك تفوق للطالبات على الطلاب في الكفاءة العلمية، بيد أن المجتمع السعودي عموماً قد حدثت فيه في السنوات القليلة الماضية متغيرات ومستجدات، من جراء العولمة وسهولة التواصل عبر مواقع وبرامج التواصل المختلفة فتأثر بالمجتمعات الأخرى وحدثت تغيرات في سلوك بعض أفراده.
ولم ينكر "الجميلي" وجود شريحة من المعلمات اليوم، لا يقمن بالدور المطلوب سواء في مجال التعليم أو التربية والتوجيه، وقال: بعضهن يمثلن قدوة سيئة في التعاملات والألفاظ وبعض السلوكيات، ولكن أعتقدُ أن وجود تلك الفئة لا يقتصر على التعليم النسائي؛ بل هناك فئة كبيرة من المدرسين بعيدون تماماً عن البيئة التربوية، ويُصلحون لأي شيءٍ إلا التربية والتعليم، مرجعاً ذلك بحسب رأيه للبطالة التي ضربت أطنابها، وشُح الوظائف في القطاعات الأخرى، فكان التدريس هو الملاذ الأخير للبحث عن لقمة العيش حتى لمن يكره رائحة السبورة والقلم والطبشورة، وجهاز العرض.
الملاذ الأخير
ورأى أن الانشغال بمواقع التواصل الاجتماعي والواتساب وغيرها قد سرق وقت المعلمات ليس من طالباتهن بل حتى من أُسَرهِن . ولعلاج هذه السلوكيات الشاذة شدد على وجود معايير دقيقة وواضحة بعيداً عن الواسطة، ويتبع ذلك مراقبة ودورات تدريبية مكيفة، حتى نضمن أن من يصل إلى قاعة الدرس هو المحب المؤهل من بنات حواء. وطالب بوجود لجان تزور المدارس بصورة مفاجئة
ملاحظة: الصور للتوضيح فقط.