قبل فترة ليست بعيدة كنا، نحن الاصدقاء من ديانات مختلفة في زيارة بيتية لصديق. الجلسة ابتدأت بحديث عادي عن الحياة، منغصاتها وملذاتها، وفوجئنا بصديق متقدم في السن، يشن حملة على دين آخر غير دينه، وراح يكيل التهمة تلو الاخرى غير ملتفت لمشاعر ابناء الديانات الاخرى، وانا بينهم، وغير مراع لها، وبالغ في كيله للتهم الى حد لم يكن بالامكان ايقافه لا عبر عدم الاهتمام بما يقذف به من حمم الاتهامات، ولا عبر التصدي له، بقول مثل ان كل الديانات اذا وضعتها تحت المجهر ستجد ما يمكن ان يُكال لها من تهم.
الحقيقة ان صديقنا هذا، وهو متقدم في السن ويفترض ان يكون على درجة اعلى من الوعي وتقبل الآخر، سبق وشن حملات مماثلة في السابق، وقد حاولت اكثر من مرة ان ارد عليه بالتي هي احسن، وان اقابل الحجة بالحجة والذريعة باختها، الا انه كان في كل لقاء تال تقريبا، يعود الى التهم ذاتها، ضاربا عرض الحائط بمشاعر من يحيط به ويجلس اليه من ابناء الدين او الديانات الاخرى.
في اللقاء او الجلسة الاخيرة، مدار حديثنا هذا، قررت ان ارد عليه ردا موجعا، فلعله يراجع نفسه، ويرتد عن مهاجماته الضارية لابناء الديانات الاخرى، فرحت افكر في طريقة اردعه بها عن مواصلته لتوجيه التهم الباطلة، وهي ليست جديدة وسبق لكثر اخرين ان طرحوها من المفكرين، ورد عليهم فيها اخرون. فكرت في ان اعود الى مقارعته الحجة بالحجة، الا انني عدلت عن مثل هكذا مقارعة، فقد سبق وحاولتها ولم تعد باي فائدة، فكرت في ان اتجاهل ما قاله وهو ليس جديدا، الا انني ما لبثت ان عدلت عن هذا ايضا.. فكرت وفكرت وفكرت الا انني لم اصل الى اية نتيجة.
اخيرا ومضت في خاطري فكرة ما لبثت ان بادرت الى تنفيذها. توجهت الى مضيفنا سائلا اياه عما اذا كان بإمكانه احضار ورقة بيضاء ناصعة البياض، فرد بالايجاب وسرعان ما احضر الورقة المطلوبة. تناولت من جيب قميصي قلما لا يفارقني منذ سنوات بعيدة موغلة في البعد. عندها انشد الحضور وارسلوا انظارهم ليروا ما سأفعله، في تلك اللحظة أدنيت القلم من الورقة البيضاء ووضعت نقطة في وسطها، ورحت الف بخط دائري حول تلك النقطة موسعا في الخط ومضيفا الى الدائرة دائرة اخرى.. اضفت العديد من الدوائر المتتالية حول تلك النقطة.
بعدها توقفت لاقول لاصدقائي: ان الانسان يولد نقطة صغيرة مثل هذه- واشرت الى النقطة-، واضفت غير انه لا يلبث ان يكبر عبر خط دائري ودوائر متتالية مثل هذه- واشرت الى الخطوط-، وتوجت كلامي بما اردت ان اصل اليه من عبرة.. قلت: كل الناس يولدون صغارا مثل هذه النقطة الا انهم لا يلبثون ان يكبروا ويكبروا مثلما كبرت هذه الدوائر التي انطلقت من النقطة.. حتى يملأوا العالم.. اما البعض وهم قلة في العادة فانهم يبقون قابعين ضمن النقطة الاولى.. نقطة ولادتهم. انهم يبقون صغارا لا يكبرون.
عندها اكفهر الجو وتلبدت غيوم الجلسة،، احمر ذلك الصديق المتقدم في السن، مُوج ِه التهم الى ابناء الديانات الاخرى، واصفر، وجد ه العرق.. ارسلت نظرة الى الاصدقاء الماكثين في البيت، ورأيت علامات الرضا تنطلق من عيونهم وكأنما هم يريدون ان يقولوا لي: بستاهل. مع هذا شعرت بأنني ثقل تُ العيار عليه قليلا.. الامر الذي دفعني لكتابة هذه الخاطرة.. اعزائي القراء: لو كنتم مكاني هل كنتم تفعلون مثلما فعلت.. وما رأيكم بالعنصرية التي اتصف بها ذلك الصديق بين قوسين.. ويتصف بها الكثيرون من امثاله؟ يسرني ان استمع لارائكم وارحب بكم واحدا واحدا على اعتبار انكم اخوان لي في البشرية.. مهما اختلفت ادياننا ومهما تباعدت. بانتظار تعقيباتكم ارجو لكم كل خير.
ملاحظة: الصور للتوضيح فقط!